كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 52 """"""
جسمانياً . وذلك لزكاء الروحانيات وطهارتها وقربها من رب الأرباب ؛ والجسماني بشر مثلنا يأكل مما نأكل ، ويشرب مما نشرب ، ويماثلنا في الصورة والمادة .
قالوا : " ولئن أطعمتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون " .
وقالوا : الواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى جلاله ، وإنما يتقرب إليه بالمتوسطات المقربين لديه ، وهم الروحانيون المقدسون المطهرون ، جوهرا وفعلا وحالة .
أما الجوهر فهم المقدسون عن المواد الجسمانية ، المبرؤون عن القوى الجسدانية ، أي منزهون عن الحركات المكانية ، والتغيرات الزمانية ، قد جبلوا على الطهارة ، وفطروا على التقديس والتسبيح " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " .
وإنما أرشدنا إلى هذا معلمنا الأول ، غاديمون ، وهرمس . فنحن نتقرب إليهم ، ونتوكل عليهم ، وهم أربابنا ، وآلهتنا ، ووسائلنا ، وشفعاؤنا عند رب الأرباب ، وإله الآلهة . فالواجب علينا أن نطهر نفوسنا من دنس الشهوات الطبيعية ، ونهذب أخلاقنا عن علائق القوى الشهوانية والغضبية ، حتى يحصل لنا مناسبة ما بيننا وبين الروحانيات . فحينئذ نسأل حاجاتنا منهم ، ونعرض أحوالنا عليهم ، ونصبأ في جميع أمورنا إليهم . فيشفعون لنا إلى خالقنا وخالقهم ، ورازقنا ورازقهم . وهذه التطهير والتهذيب ليس إلا باكتسابنا ، ورياضنا ، وفطامنا لأنفسنا عن دنيات الشهوات ، باستمداد من جهة الروحانيات ؛ والاستمداد هو التضرع والابتهال . بالدعوات ، وإقامة الصلوات ، وبذل الزكوات ، والصيام عن المطعومات والمشروبات ، وتقريب القرابين والذبائح ، وتنجير البخورات ، وتعزيم العزائم . فيحصل لنفوسنا استعداد أو استمداد من غير واسطة ، بل يكون حكمنا وحكم من يدعى الوحي واحدا .

الصفحة 52