كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 77 """"""
أجنابها ، وانسدلت أطنابها ؛ وتهدل خملها ، وتمخض حملها ؛ ومدت على آفاق السماء نطاقها ، وزرت على أعناق الجبال أطواقها ، كأنها بناء على الجو مقبوب ، أو طبقٌ على الأرض مكبوب ؛ تمشي من الثقل هونا ، وتستدعى من الريح عونا ؛ ومخايلها تقوى ، وعارضها أحوى . فلما أذن الله لها بالانحدار ، وأنزل منه الودق بمقدار ، أرسلت الريح خيوط القطر من رود السحائب ، وأسبلتها إسبال الذوائب ، فدرت من خلف مصرور ، ونثرت طلها نثر الدرور . ثم انخرق جيبها وانبثق سيبها ؛ وصار الخيط حبلاً ، والطل وبلا . فالسحاب يتعلق ، والبرق يتألق ، والرعد يرتجس ، والقطر ينبجس ، والنقط تترامى طباقاً ، وتتبارى اتساقا ، فيردف السابق المصلي ، ويتصل التابع بالمولى ، كما يقع من المنخل البر ، وينتثر من النظام الدر ، فجيوب السماء تسقطه ، وأكف الغدران تلقطه ؛ والأرض قد فتحت أفواها ، وجرعت أمواها ، حتى أخذت ريها من المطر ، وبلغت منه غاية الوطر ، خفى من الرعد تسبيحه ، وطفئت من البرق مصابيحه ، وحسرت الماء نقابها ، وولت المطر أعقابها ؛ وحكت في ردها طلق السابق ، وهرب الآبق .
ومن رسالة لمحمد بن شرف القيرواني : برئ عليل البرى ، وأثرى فقير الثرى ، وتاريخ ذلك انصرام ناجر ، وقد بلغت القلوب الحناجر ، محمارةٌ أحمرت لها خضرة السماء ، واغبرت مرآة الماء ،

الصفحة 77