كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 1)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
حتى انهل طالع وسمي ، وتلاه تابع ولى ، دنا فأسف ، ووكف فما كفّ . فما فتئ مسكوباً قطره ، محجوباً شمسه وبدره ، وجليب عروس الشمس ، معتذرة عن مغيبها بالأمس ، فعندها مزق عن الدقعاء صحيح إهابها ، واختزن در البر في أصداف ترابها . فما مرت أيام إلا والقيعان مسندسه ، والآكام مطوسه .
ومن رسالة لأبي القاسم ، محمد بن عبد الله بن أبي الجد في وصف مطر بعد قحط : قال : لله تعالى في عباده أسرار ، لا تدركها الأفكار ، وأحكام ، لا تنالها الأوهام . تختلف والعدل متفق ، وتفترق والفضل مجتمع متسق . ففي منحها نفائس المأمول ، وفي محنها مداوس العقول . وفي أثناء فوائدها حدائق الإنعام رائقه ، وبين أرجاء سرائرها بوارق الإعذار والإنذار خافقه . وربما تفتحت كمائم النوائب ، عن زهرات المواهب . وانسكبت غمائم الرزايا ، بنفحات العطايا . وصدع ليل اليأس صبح الرجاء ، وخلع عامل البأس وإلى الرخاء . ذلك تقدير اللطيف الخبير ، وتدبير العزيز القدير ولما ساءت بتثبط الغيث الظنون ، وانقبض من تبسط الشك اليقين ، واسترابت حياض الوهاد ، بعهود العهاد ، وتأهبت رياض النجاد ، لبرود الحداد ، واكتحلت أجفان الأزهار ، بإثمد النقع المثار ، وتعطلت أجياد الأنوار ، من حلى الديمة المدرار ، أرسل الله بين يدي رحمته ريحا بليلة الجناح ، مخيلة النجاح ،