كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 1)
"""""" صفحة رقم 79 """"""
سريعة الإلقاح ، فنظمت عقود السحاب ، نظم السخاب ، وأحكمت برود الغمام ، رائقة الأعلام . وحين ضربت تلك المخيلة في الأفق قبابها ، ومدت على الأرض أطنابها ، لم تلبث أن انهتك رواقها ، وانبتك وشيكاً نطاقها ، وانبرت مدامعها تبكي بأجفان المشتاق ، غداة الفراق ، وتحكي بنان الكرام ، عند أريحية المدام ، فاستغربت الرياض ضحكا ببكائها ، واهتز رفات النبات طربا لتغريد مكائها ، واكتسب ظهور الأرض من بيض إنائها ، خضر ملائها . فكأن صنعاء قد نشرت على بسيطها بساطا مفوًّفا ، وأهدت إليها من زخارف بزها ومطارف وشيها ألطافا وتحفا . وخيل للعيون أن زواهر النجوم ، قد طلعت من مواقع التخوم ، ومباسم الحسان ، قد وصلت بافتزاز الغيظان . فيا برد موقعها على القلوب والأكباد ويا خلوص ريها إلى غلل النفوس الصّواد كأنما استعارت أنفاس الأحباب ، أو ترشفت شنب الثنايا العذاب ، أو تحملت ماء الوصال ، إلى نار البلبال . أو سرت على أنداء الأسحار وريحان الآصال . لقد تبين للصنع الجليل ، من خلال ديمها تنفس ونصول ، وتمكن للشكر الجميل ، ومن ظلال نعمها معرس ومقيل . فالحمد لله على ذلك ما انسكب قطر ، وانصدع فجر ؛ وتوقد قبس ، وتردد نفس ؛ وهو الكفيل تعالى بإتمام النعمى ، وصلة أسباب الحياة والحيا بعزته وقال الوزير أبو عمرو الباجي في مثل ذلك : إن لله تعالى قضايا واقعة بالعدل ، وعطايا جامعة للفضل ؛ ونعم يبسطها إذا شاء إنعاماً وترفيها ، ويقبضها متى أراد إلهاماً وتنبيهاً ؛ ويجعلها لقوم صلاحا وخيراً ،