كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 1)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
ثم انقطعت عبادة النيران من أكثر هذه الأماكن إلا الهند . فإنهم يعبدونها إلى يومنا هذا . وهم طئفة تدعى الإكنواطرية . زعموا أن النار أعظم العناصر جرما ، وأوسعها حيزا ، وأعلاها مكانا ، وأشرفها جوهرا ، وأنورها ضياء وإشراقا ، وألطفها جسما وكيانا ، وأن الاحتياج إليها أكثر من الاحتياج إلى سائر الطبائع ؛ ولا نور في العالم إلا بها ، ولا نمو ولا انعقاد إلا بممازجتها .
وعبادتهم لها أن يحفروا أخدودا مربعا في الأرض ويحشوا النار فيه ، وثم لا يدعون طعاماً لذيذاً ، ولا شراباً لطيفاً ، ولا ثوباً فاخراً ، ولا عطراً فائحاً ، ولا جوهراً نفيساً ، إلا طرحوه فيها : تقرباً إليها ، وتبركاً بها ، وحرموا إلقاء النفوس فيها ، وإحراق الأبدان بها ، خلافاً لجماعة أخرى من زهاد الهند .
وعلى هذا المذهب أكثر ملوك الهند وعظمائها . يعظمون النار لجوهرها تعظيماً بالغاً ، ويقدمونها على الموجودات كلها .
ومنهم زهاد وعباد يجلسون حول النار صاغين ، يسدون منافسهم حتى لا يصل إليها أنفاسهم نفس صدر عن صدر مجرم . وسنتهم الحث على الأخلاق الحسنة ، والمنع من أضدادها ، وهي الكذب ، والحسد ، والحقد ، والكفاح ، والحرص ، والبغي ، والبطر . فإذا تجرد الإنسان عنها ، تقرب من النار .
4 - وأما بيوت النيران ، ومن رسمها من ملوك الفرس
قال المسعودي : أول ما حكى ذلك عنه أفريدون الملك . وذلك أنه وجد نارا يعظمها أهلها ، و " هم " معتكفون على عبادتها . " فسألهم عن خبرها ووجه الحكمة منهم في عبادتها . فأخبروه بأشياء اجتذبت نفسه إلى عبادتها " وأنها واسطة بين الله تعالى وبين خلقه ، وأنها من جنس الآلهة النورية ، وأشياء ذكروها له . وجعلوا للنور مراتب