كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 1)

346 - فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: § «أَلَا هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ». قَالَهَا ثَلَاثًا
347 - وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: «لَا أَدْرِي»، فَقِيلَ لَهُ: قُلْ فِيهَا بِرَأْيِكَ قَالَ: «إِنِّي §لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ يُدَانَ فِي أَرْضِهِ بِرَأْيِي»
348 - وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: «§أَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ بِرَأْيِي، ثُمَّ يَبْدُوَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ رَأَيٌ آخَرُ فَأَطْلُبَكَ فَلَا أَجِدُكَ»
349 - وَسُئِلَ أَيْضًا ابْنُ سِيرِينَ عَنْ شَيْءٍ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَقُولُ فِيهِ بِرَأْيِكَ، فَقَالَ: «إِنِّي §أَكْرَهُ أَنْ أُجَرِّبَ السُّمَّ عَلَى نَفْسِي»

350 - وَقَالَ الْأَعْمَشُ: «إِنَّمَا مَثَلُ أَصْحَابِ هَذَا الرَّأْيِ مَثَلُ رَجُلٍ خَرَجَ بِلَيْلٍ، فَرَأَى سَوَادًا، فَظَنَّ أَنَّهَا تَمْرَةٌ فَإِنْ أَخْطَأَهُ يَكُونُ عَقْرَبًا أَوْ يَكُونُ جَرْوَ كَلْبٍ» قَالَ الشَّيْخُ: " اللَّهَ اللَّهَ إِخْوَانِي يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، وَيَا حَمَلَةَ الْحَدِيثِ لَا تَنْظُرُوا فِيمَا لَا سَبِيلَ لِعُقُولِكُمْ إِلَيْهِ، وَلَا تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْكُمْ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنْ عُلَمَائِكُمْ إِلَيْهِ، وَلَا تُكَلِّفُوا أَنْفُسَكُمْ مَا لَا قُوَّةَ بِأَبْدَانِكُمُ الضَّعِيفَةِ، وَلَا تُنَقِّرُوا، وَلَا تَبْحَثُوا عَنْ مَصُونِ الْغَيْبِ، وَمَكْنُونِ الْعُلُومِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْعُقُولِ غَايَةً تَنْتَهِي إِلَيْهَا، وَنِهَايَةً تُقْصَرُ عِنْدَهَا، فَمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ، وَجَاءَ بِهِ الْأَثَرُ فَقُولُوهُ، وَمَا أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ، وَلَا تُحِيطُوا الْأُمُورَ بِحَيْطِ -[424]- الْعَشْوَا حَنَادِسِ الظَّلْمَاءِ بِلَا دَلِيلٍ هَادٍ، وَلَا نَاقِدٍ بَصِيرٍ أَتُرَاكُمْ أَرْجَحَ أَحْلَامًا، وَأَوْفَرَ عُقُولًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ حِينَ قَالُوا: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32]. إِخْوَانِي: فَمَنْ كَانَ بِاللَّهِ مُؤْمِنًا فَلْيَرْدُدْ إِلَى اللَّهِ الْعِلْمَ بِغُيُوبِهِ، وَلْيَجْعَلِ الْحُكْمَ إِلَيْهِ فِي أَمْرِهِ، فَيَسْلُكَ الْعَافِيَةَ، وَيَأْخُذَ بِالْمَنْدُوحَةِ الْوَاسِعَةِ، وَيَلْزَمَ الْمَحَجَّةَ الْوَاضِحَةَ، وَالْجَادَّةَ السَّابِلَةَ، وَالطَّرِيقَ الْآنِسَةَ، فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَتَجَاوَزَهُ إِلَى الْغَمْطِ بِمَا أُمِرَ بِهِ، وَالْمُخَالَفَةِ إِلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ، يَقَعْ وَاللَّهِ فِي بِحُورِ الْمُنَازَعَةِ، وَأَمْوَاجِ الْمُجَادَلَةِ، وَيَفْتَحْ عَلَى نَفْسِهِ أَبْوَابَ الْكُفْرِ بِرَبِّهِ، وَالْمُخَالَفَهِ لَأَمْرِهِ، وَالتَّعَدِّي لِحُدُودِهِ. وَالْعَجَبُ لِمَنْ خُلِقَ مِنْ نُطْفَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ، كَيْفَ لَا يُفَكِّرُ فِي عَجْزِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ خَلْقِهِ؟ أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مِيثَاقَ الْكِتَابِ، أَنْ لَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ؟ فَسُبْحَانَ اللَّهِ أَنِّي تُؤْفَكُونَ "

الصفحة 423