كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 2)
1187 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ قَالَ: قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ , قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ , يَقُولُ: كَانَ الْأَعْمَشُ , وَمَنْصُورٌ , وَمُغِيرَةُ , وَلَيْثٌ , وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ , وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ , وَعُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ , وَالْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيَّبِ , وَابْنُ شُبْرُمَةَ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَأَبُو يَحْيَى صَاحِبُ الْحَسَنِ , وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ يَقُولُونَ: § «نَحْنُ مُؤْمِنُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَيَعِيبُونَ مَنْ لَا يَسْتَثْنِي»
1188 - قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ مَشَايِخِنَا يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ: § «إِذَا تَرَكَ الِاسْتِثْنَاءَ فَهُوَ أَصْلُ الْإِرْجَاءِ»
1189 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي , وَحَدَّثَنَا أَبُو حَفْصً عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ عِصْمَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ: § «مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَّا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ» قَالَ يَحْيَى: وَكَانَ سُفْيَانُ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: «أَنَا مُؤْمِنٌ»
1190 - حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ , وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا -[872]- مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْكَاذِيُّ , قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: § «النَّاسُ عِنْدَنَا مُؤْمِنُونَ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمَوَارِيثِ , وَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ , وَلَا نَدْرِي مَا حَالُنَا عِنْدَ اللَّهِ» قَالَ الشَّيْخُ: فَهَذِهِ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ وَطَرِيقُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْعُلَمَاءِ لُزُومَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ , لَا يَدْرُونَ كَيْفَ أَحْوَالُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ , وَلَا كَيْفَ أَعْمَالُهُمْ أَمَقْبُولَةٌ هِيَ أَمْ مَرْدُودَةٌ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]. وَأَخْبَرَ عَنْ عَبْدِهِ الصَّالِحِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا} [النمل: 19]. أَفَلَا تَرَاهُ كَيْفَ يَسْأَلُ اللَّهَ الرِّضَا مِنْهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ , لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ بِنَافِعَةٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَنْظَرِ الْعَيْنِ صَالِحَةً , إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ رَضِيَهَا وَقَبِلَهَا , فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَجْزِمَ أَنَّ أَعْمَالَهُ الصَّالِحَةَ مِنْ أَفْعَالِ الْخَيْرِ , وَأَعْمَالَ الْبِرِّ كُلَّهَا مَرْضِيَّةٌ , وَعِنْدَهُ زَكِيَّةٌ , وَلَدَيْهِ مَقْبُولَةٌ. هَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَى حَتْمِهِ وَجَزْمِهِ إِلَّا جَاهِلٌ مُغْتَرٌ بِاللَّهِ , نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْغِرَّةِ بِاللَّهِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ , أَمَا تَرَوْنَ رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى الرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ صَلَّى الصَّلَاةَ فَأَتَمَّهَا وَأَكْمَلَهَا وَرُبَّمَا كَانَتْ فِي جَمَاعَةٍ وَفِي وَقْتِهَا , -[873]- وَعَلَى تَمَامِ طَهَارَتِهَا , فَيُقَالُ لَهُ: صَلَّيْتَ؟ فَيَقُولُ: قَدْ صَلَّيْتُ إِنْ قَبِلَهَا اللَّهُ , وَكَذَلِكَ الْقَوْمُ يَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ , فَيَقُولُونَ فِي آخِرِهِ: صُمْنَا إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ تَقَبَّلَهُ مِنَّا. وَكَذَلِكَ يَقُولُ مَنْ قَدِمَ مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ حَجَّهِ وَعُمْرَتِهِ وَقَضَاءِ جَمِيعِ مَنَاسِكِهِ إِذَا سُئِلَ عَنْ حَجِّهِ , إِنَّمَا يَقُولُ: قَدْ حَجَجْنَا مَا بَقِيَ غَيْرُ الْقَبُولِ , وَكَذَلِكَ دُعَاءُ النَّاسِ لِأَنْفُسِهِمْ , وَدُعَاءُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صَوْمَنَا , وَزَكَاتَنَا , وَبِذَلِكَ يُلْقَى الْحَاجُّ فَيُقَالُ لَهُ: قَبِلَ اللَّهُ حَجَّكَ , وَزَكَّى عَمَلَكَ , وَكَذَا يِتَلَاقَى النَّاسُ عِنْدَ انْقِضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ , فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَبِلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ. بِهَذَا مَضَتِ سَنَةُ الْمُسْلِمِينَ , وَعَلَيْهِ جَرَتْ عَادَاتُهُمْ , وَأَخَذَهُ خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ , فَلَيْسَ يُخَالِفُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْإِيمَانِ وَيَأْبَى قَبُولَهُ إِلَّا رَجُلٌ خَبِيثٌ مُرْجِئٌ ضَالٌّ , قَدِ اسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ عَلَى قَلْبِهِ , نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهُ
الصفحة 871