كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 2)

1247 - حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ , قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ: § «مَا ابْتُدِعَ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةٌ هِيَ أَضَرُّ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ هَذِهِ , يَعْنِي الْإِرْجَاءَ» قَالَ الشَّيْخُ: فَاحْذَرُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مُجَالَسَةَ قَوْمٍ مَرَقُوا مِنَ الدِّينِ , فَإِنَّهُمْ جَحَدُوا التَّنْزِيلَ , وَخَالَفُوا الرَّسُولَ , وَخَرَجُوا عَنْ إِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ , وَهُمْ قَوْمٌ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ , وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ الْفَرَائِضَ , وَلَمْ يُرِدْ مِنْهُمْ أَنْ يَعْمَلُوهَا , وَلَيْسَ بِضَائِرٍ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوهَا , وَحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْمَحَارِمَ , فَهُمْ مُؤْمِنُونَ , وَإِنِ ارْتَكَبُوهَا , وَإِنَّمَا الْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَعْتَرِفُوا بِوُجُوبِ الْفَرَائِضِ , وَأَنْ يَتْرُكُوهَا , وَيَعْرِفُوا الْمَحَارِمَ وَإِنِ اسْتَحَلُّوهَا , وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ بِاللَّهِ إِيمَانٌ يُغْنِي عَنِ الطَّاعَةِ , وَإِنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ , وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ بِلِسَانِهِ وَالْعَارِفَ بِقَلْبِهِ مُؤْمِنٌ كَامِلُ الْإِيمَانِ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ , وَإِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتَفَاضَلُ وَلَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ , وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ , وَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُقَصِّرَ وَالْمُطِيعَ وَالْعَاصِيَ جَمِيعًا سِيَّانِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَكُلُّ هَذَا كُفْرٌ وَضَلَالٌ , وَخَارِجٌ بِأَهْلِهِ عَنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ , وَقَدْ أَكْفَرَ اللَّهُ الْقَائِلَ بِهَذِهِ الْمَقَالَاتِ فِي كِتَابِهِ , وَالرَّسُولُ فِي سُنَّتِهِ , وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ بِاتِّفَاقِهِمْ. وَكُلُّ ذَلِكَ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ مُفَصَّلًا فِي أَبْوَابِهِ , وَلِلْقَائِلِ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ إِيمَانٌ , فَقَدِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَفَضَّلَ الْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ , وَجَعَلَ إِبْلِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ وَمُوسَى الْكَلِيمَ فِي الْإِيمَانِ سَوَاءٌ , لِأَنَّ إِبْلِيسَ قَدْ عَرَفَ اللَّهَ , فَقَالَ: -[894]- {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39] , {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي} [الحجر: 36]. وَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة: 260]. وَقَالَ مُوسَى: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [القصص: 17]. وَيَلْزَمُهُ عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِهِ الْخَبِيثِ أَنْ يَكُونَ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَمَنْ جَاهَدَ مَعَهُ: {وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} [الأعراف: 157]. وَهَاجَرُوا إِلَيْهِ , وَالَّذِينَ كَذَّبُوهُ وَحَارَبُوهُ فِي الْإِيمَانِ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ , لِأَنَّ قُرَيْشًا قَدْ كَانَتْ تَعْرِفُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , وَتَعْلَمُ أَنَّهُ خَلَقَهَا , وَبِذَلِكَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيٍّ كَثِيرٍ مِنْ كِتَابِهِ , وَكَذَلِكَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَدْ عَرَفُوا اللَّهَ , وَعَرَفُوا رَسُولَهُ , وَعَلِمُوا ذَلِكَ بِقُلُوبِهِمْ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14]. وَقَالَ: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146]. -[895]- وَقَالَ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109]. وَقَالَ: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75]. وَقَالَ فِي قُرَيْشٍ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}

الصفحة 893