كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 1)

ص: (وفي الحقيقةِ والمجازِ الخلافُ، خلافاً للقَاضِي، ومن ثَمَّ عَمَّ نحوَ: وافْعَلوا الخَيْرَ، الواجبَ والمَنْدُوبَ، خلافاً لِمَنْ خَصَّه بالواجبِ ومَن قالَ: للقَدْرِ المُشْتَرَكِ).
ش: هذا الخلافُ يَجْرِي على إطلاقِ اللفظِ الصالحِ للحقيقةِ والمجازِ وإرادَتِهما معاً، بشَرْطِ ألاَّ يَكُونَ بينَهما تَنَافٌ، ويَنْبَغِي جَرَيَانُ خلافَ عِلَّةِ المَنْعِ السابقَةِ هنا، واحْتَجَّ القَاضِي على المَنْعِ هنا، بأنَّ الحقيقةَ استعمالُ اللفظِ فيما وُضِعَ له، والمجازَ فيما لم يُوضَعْ له، وهما مُتَنَاقِضَانِ، فلا يَصِحُّ أنْ يُرَادَ بالكَلِمَةِ الواحدةِ مَعْنَيَانِ مُتَنَاقِضَانِ، وهو ضعيفٌ، لَمَا سَنَذْكُرُه، والشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه مَشَى على مَنْوالٍ واحدٍ، فحُمِلَ اللفظُ على مَعْنَيَيْه، سواءٌ كانَا حَقِيقَتَيْنِ، أو أحدُهما مجازٌ, كما جَوَّزَ الاستعمالَ فيهما, وأمَّا القَاضِي فسَوَّى بينَ الحَقِيقَتَيْنِ, وبينَ الحقيقةِ والمجازِ في صِحَّةِ الاستعمالِ بالنِّسْبَةِ إلى المُتَكَلِّمِ، وفَرَّقَ بينَهما في الحَمْلِ بالنِّسْبَةِ إلى السَّامِعِ، فقالَ في الحقيقتَيْنِ: لا يُحْمَلُ على أَحَدِهِما إلا بدليلٍ، وقالَ في الحقيقةِ والمجازِ: يَسْتَحِيلُ الجَمْعُ، لئلاَّ يَلْزَمَ الجَمْعُ بينَ النَّقِيضَيْنِ، هذا عزيزُ النَّقْلِ عن القاضِي في هاتَيْنِ المسألتَيْنِ.
وقد غَلَّطَ جَماعَةٌ في النَّقْلِ عنه، واخْتَلَطَ عليهم مسألَةُ الحَمْلِ بمسألَةِ الاستعمالِ، ومنهم المُصَنِّفُ، فنُقِلَ عن القَاضِي التَّجْويزُ في الحقيقتَيْنِ دونَ الحقيقةِ والمجازِ.
فقولُه: (خلافاً للقَاضِي) إنْ أَرَادَ في الاستعمالِ فهو مُوافِقٌ لا مُخَالِفٌ، وإنْ أَرَادَ في الحَمْلِ فهَهُنا يُحِيلُ وهناك يَجُوزُ مع القرينةِ.
وأمَّا قولُ الكِيَا في (التَّلْويحِ): قالَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ: لا يَجُوزُ أنْ يُرَادَ بالعِبَارَةِ الواحدَةِ الحقَيقَةُ والمَجَازُ والكِنَايَةُ والتَّصْرِيحُ؛ ولهذا لا يَجُوزُ أنْ يُرَادَ باللَّمْسِ الوِقَاعُ والجَسُّ باليدِ معاً، ولا يُرَادُ بالنِّكاحِ العَقْدُ والوطءُ معاً، وصَارَ إلى هذا الرَايِ أَبُو عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ من المعتزلَةِ. انتهى.
فمُرادُه الحَمْلُ، وكذا شيخُه ابنُ البُرْهَانِ عن القَاضِي ولم يَحْكِ الهِنْدِيُّ غيرَه، وعلى

الصفحة 434