كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 1)

والثاني: وهو الظاهرُ أنَّه على حَذْفِ مُضَافٍ؛ أي: انتهاءِ الغَايَةِ، منزلَة= (إلى) فتَكُونُ لابتداءِ الغايَةِ من الفاعَلِ، ولانتهاءِ غايةَ الفِعْلِ من المفعولِ، مثلَ: رَأَيْتُ الهِلالَ مِن دَارِي من خَلَلِ السحابِ؛ أي: مِن مَكانِي إلى خَلَلِ السحابِ، فابتداءُ الرُّؤْيَةِ وَقَعَ من الدارِ وانْتِهاؤُها في خللِ السحابِ.
وذَكَرَ ابنُ مالِكٍ أنَّ سِيبَوَيْهِ أَشَارَ إلى هذا المعنَى، وأَنْكَرَهُ جماعةٌ، وقالُوا: لم يَخْرُجْ عن ابتداءِ الغايَةِ، لكنَّ الأوْلَى ابتداؤُها في حقِّ الفاعلِ، والثانيةَ في حقِّ المفعولِ؛ لأنَّ الرؤيةَ إنَّما وَقَعَتْ بالهِلالِ، وهو في خَلَلِ السحابِ، ومنهم مَن جَعَلَها في الثانيةِ لابتداءِ الغايَةِ أيضاًً، إلاَّ أنَّه جَعَلَ العامِلَ فيها فِعْلاً، كأنَّه قالَ: رَأَيْتُ الهلالَ من دَارِي ظاهِراً من خَلَلِ السحابِ، وَرَدَ بأنَّ الخَبَرَ المحذوفَ الذي يَقُومُ المجرورُ مَقَامَه، إنَّما يَكُونُ بما يُنَاسِبُ معنَاهُ الحَرْفُ، و (مِن) الابتدائِيَّةُ لا يُفْهَمُ منها معنَى الكَوْنِ ولا الظهورِ، فلا يَنْبَغِي أنْ يُحْذَفَ، ومنهم مَن جَعَلَها بَدَلاً من الأُولَى.
ص: وتَنْصِيصُ العُمُومِ.
ش: وهي الدَّاخِلَةُ على نَكِرَه=، لا تَخْتَصُّ بالنَّفْيِ، نحوَ: مَا جَاءَنِي مِن رَجُلٍ، فإنَّه قَبْلَ دُخُولِها تَحْتَمِلُ نَفْيَ الجِنْسِ ونَفْيَ الواحِدِ؛ ولهذا يَصِحُّ أنْ تَقُولَ: بل رَجُلانِ، ويَمْتَنِعُ ذلك بعدَ دُخولِ (مِن)، أمَّا الواقِعَةُ بعدَ الأسماءِ العامَّةِ التي لا تُسْتَعْمَلُ إلاَّ في النَّفْيِ فتُفِيدُ معنَى التَّاكِِيدِ لا غيرَ، نحو: ما جَاءَنِي مِن أَحَدٍ، فهو كقولِك: ما جَاءَنِي أَحَدٌ سِواهُ، قالَهُ الخَفَافُ والصَّيْمَرِيُّ وابنُ بَابَشَاذٍ وغيرُهم، أمَّا الواقعةُ في الإثباتِ،

الصفحة 565