كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 1-2)

أو زاد عليه؛ ولست أقول: أخذ هذا من هذا قولاً مطلقاً، فقد تتوارد الخواطر، ويقع الحافر حيث الحافر؛ إذ الشعر ميدان، والشعراء فرسان.
وعلم الله تعالى أن هذا الكتاب لم يصدر إلا عن صدر مكلوم الأحناء، وفكر خامد الذكاء، بين دهر متلون تلون الحرباء؛ لانتباذي كان من شنترين قاصية الغرب، مفلول الغرب، مروع السرب؛ بعد أن استنفد الطريف والتلاد، وأتى على الظاهر والباطن النفاد، بتواتر طوائف الروم، علينا في عقر ذلك الإقليم؛ وقد كنا غنينا هنالك بكرم الانتساب، عن سوء الاكتساب، واجتزأنا بمذخور العتاد، عن التقلب في البلاد؛ إلى أن نثر علينا الروم ذلك النظام، ولو ترك القطا ليلاً لنام؛ وحين اشتد الهول هنالك، اقتحمت بمن معي المسالك؛ على مهامه تكذب فيها العين الأذن، وتستشعر فيها المحن:
مهامه لم تصحب بها الذئب نفسه ... ولا حملت فيها الغراب قوادمه حتى خلصت خلوص الزبرقان من سراره، وفزت فوز القدح عند قماره؛ فوصلت حمص بنفسٍ قد تقطعت شعاعاً، وذهب أكثرها التياعاً؛ وليتني عشت منها بالذي فضلا! فتغربت بها سنوات أتبوأ منها

الصفحة 19