كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 1-2)

وكان هشام يقول برموز الملاحم وكتب الحدثان، وخامر نفسه من ذكر قائم بسبتة، أول اسمه عين، ما لا شيء يزيله، ولم يزل مرتقباً لظهوره؛ فلذلك ما كاتب عليّ بن حمود لرفع بيته، وبعد صيته؛ فكان منه في أخذه بثأره بعد موته ما كان. فإن كان كذلك، فهشام - على مشهور عجزه - أحد كائدي الأعداء بغيره من منكوبي الملوك بما لا شيء فوقه، فما أدرك فيه بعد هلاكه بوتره واستقاد بدمه وسطا بعدوه؛ انتهى ما لخصته من خبره مع ابن حمود.
فصل: قال ابن حيان: وأما حربه مع المهدي، فإنه لما استوسق الأمر لسليمان حسبما تقدم، وتابعته الباربرة، اجتمعوا لحرب قرطبة، فنزلوا في سفح الجبل بها وبشرقيها، يوم الخميس الحادي عشر من ربيع الأول سنة أربعمائة؛ وقد كان واضح الفتى وافاها قبلهم بيومين في أجناده من رجال الثغر، فقلده المهدي أمر الحرب، واحتشد الناس من الكور والبادية، فعسكروا في جموعٍ لم يحصها إلا خالقهم، فتداني الزحفان يوم السبي الثالث عشر من ربيع المؤرخ، فتسرع إليهم أهل قرطبة، وخالفوا واضحاً في تدبير حربهم، فاستجرتهم البرابرة، حتى إذا تمكنوا منهم عطفوا عليهم، فانكشفوا عنهم انكشافاً ما سمع بمثله، وانهزموا إلى منازلهم، وتشعبت الطرق بهم، عاد تضيق مسالك كانوا أعدوها لعدوهم سداداً دونهم، فازدحموا وتناشبوا وقتل بعضهم بعضاً. ووضع البرابرة والنصارى السيوف عليهم؛ فقتل في هذه الوقعة عالم، وأبادوا أمة. وهي وقعة قنتيش المشهورة بالأندلس التي قطع المقال على أنه قتل فيها عشرة آلاف قتيل وأزيد. والله أعلم.

الصفحة 43