كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 1-2)

ومال النصارى يومئذ على المنهزمين من المسلمين، فقتلوا منهم في صعيد واحد نيفاً على ثلاثة آلاف رجل. وخرج الأمر عن يد واضح، فلم يثبت أحد ممن كان معه، ولا كر في تلك الوقعة عامي ولا خاصي. وكان أمره عجباً. ونادى واضح بشعاره، فاجتمع إليه رجاله، وثبت إلى أن أجنه الليل واتخذه جملاً، وسارعن قرطبة هارباً إلى الثغر. وانبسط البربر يومئذٍ في أرض قرطبة يقتلون ويأسرون.
قال ابن حيان: وأصيب في تلك الوقعة من المؤدبين خاصة نيف على ستين، أعريت سقائفهم في غداة واحدة منهم، وتعطل صبيانهم لعدمهم. وأصيب فيها زربوط الطنبوري، وأقام الطنبوريون أصحابه عليه مأتماً مشهوداً بعد الحادثة. وهلك في تلك الوقعة أخلاط من الناس. وكان بعض الظرفاء يقول: من كل طبقة أخذت وقعة قنتيش حتى من الباطل؛ فإنها ألصقت بالصميم في قتل قنبوط الملهي، وزربوط المغني ونمطهما، فهيهات أن يخلف الدهر مثلهما.
وكان المهدي، إذ دخل قرطبة منتصف جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة وقتل عبد الرحمن بن أبي عامر، أظهر موت هشام المؤيد في رمضان من العام، وورى الشخص الذي موه به وقسم تراثه. فلما كان غداة الأحد ثاني وقعة قنتيش، أظهر المهدي هشاماً المؤيد رجاء أن يستميل

الصفحة 44