كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 1-2)

ذلك وألقوا للوقت بأيديهم وخذلتهم حيلهم، ودخل المقصورة عبد الرحمن فبويع لوقته. واستدعي سليمان بن المرتضى وجيء به مبهوتاً فقبل يده وهنأه، فأجلسه إلى جنبه، ثم وافى محمد بن العراقي أيضاً فقبل يده وبايعه، ثم عقدت له البيعة، وذلك اليوم الرابع من شهر رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة.
وكان أحمد بن بردٍ قد تقدم في عقدها باسم سليمان بن المرتضى فبشره وحك اسمه، وكتب اسم عبد الرحمن مكانه فكان ذلك من عجائب الدنيا.
ثم ركب وحمل مع نفسه ابني عمه سليمان وابن العراقي فاحتبسهما عنده وآنسهما؛ وظهرت من عبد الرحمن لوقته عرامة، وكان فتى أي فتىً لو أخطأته المتالف. وكان استقل بما طلبه من السلطان جرأة وصرامةً، وركب أعناق الخطوب وقد اعتاصت فأردته. وكان رفع مقادير مشيخة الوزراء من بقايا مواليه بني مروان، منهم أحمد بن برد وجماعة من الأغمار، كانوا عصابةً يحل بها الفتاء، ويذهب بها العجب، قدمهم على سائر رجاله، فأحقد بهم أهل السياسة، فانقضت دولته سريعاً، منهم أبو عامر بن شهيد فتى الطوائف، كان بقرطبة في رقته وبراعته وظرفه خليعها المنهمك في بطالته، وأعجب الناس تفاوتاً ما بين قوله وفعله، وأحطهم في هوى نفسه، وأهتكهم لعرضه، وأجرأهم على خالقه. ومنهم أبو محمد بن حزم، وعبد الوهاب

الصفحة 50