كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 1-2)

إلا من صبابة مستغل جوف المدينة، أو نهب مغلول ممن تقلقل عنها؛ يقيم منه رمقه، ويفرق جملته على من تكنفه من جنده ودائرته، ويتطرق إلى ما يقبح من ظلم رعيته؛ فلم يلبث الأمر أن تفرى به فسفك دمه، وانحسم الأمل من دولته. وكان قد بادر في الإرسال عن جماعة من وزرائه، فلما حصل جميعهم عنده قبض عليهم وصادرهم على أموال لصدوفهم عنه، وطالبهم نجاح الضاغط يومئذ عنها. وكان قد استرجحه خاصة الناس وذوو الحجى منهم في القبض على هؤلاء الوزراء، واستبطأوا إبادته لهم ورجوا استظهاره على الأمر بإزالتهم، وسلامة تدبيره من اعتراضهم، وكان قد أخرج رسله إلى جماعة الرؤساء بالأندلس يلتمس البيعة، ويستنفر الكافة، ويدعو إلى كرة الدولة؛ فأخفق ما طلبه وعوجل، ولما تقبض الأجوبة رسله، واضمحل أمره، والبقاء لله وحده.
وكان أيضاً مما حرك الناس عليه استهدافه إلى أهل بيته من ولد الناصر، ومبادرته لحبس سليمان بن المرتضى وابن العراقي المذكورين، وتجاوزهما إلى نفر غيرهما، اعتقل بعضاً وطلب بعضاً، حتى شملهم الخوف؛ فبعث الله عليه من جرأة صاحبه بكر بن محمد بن المشاط الرعيني أدنته من حمامه، وسعى إلى أن وثب عليه محمد بن عبد الرحمن المستكفي، وأحس المستظهر بشيء من ذلك فطلبه، فأعجزه؛ ولم يزل السعي عليه حتى قتل.

الصفحة 52