كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 1-2)

تعجل القرار من الوزراء وأهل الخدمة على باب الحمام من القصر فاهتدى إليه الدائرة، وأحلوا بمن خرج منه الفاقرة؛ منهم أحمد بن بسيلٍ متقلد المدينة، قتل يومئذ. وجاء عبد الرحمن إلى ذلك الباب يطمع في الخروج؛ فقام الدائرة في وجهه وزرقوه وهم يسبونه؛ فارتد على عقبه، وترجل عن فرسه، وتجرد من ثيابه، حتى بقي في قميصه؛ واستخفى في أبزن الحمام، ففقد شخصه؛ واستخفى البرابرة في الحمام وفي أكناف القصر فبحث عنهم وقتلوا. ولاذ منهم طائفة بالجامع فقتلوا فيه؛ وفضح حريم عبد الرحمن وسبى أكثرهن الدائرة وحملوهن إلى منازلهم علانية، وجرى عليهن ما لم يجر على حرم سلطانٍ في مدة تلك الفتنة.
قال: ولما فقد شخص عبد الرحمن ظهر ابن عمه محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر الساعي عليه في المكان الذي كان متطمراً فيه فهتف الدائرة باسمه، وانتهوا به إلى دار الملك، فإذا هي بلاقع؛ فأجلسوه في مجلسها القبلي مبهوتاً. وقام الدائران الفاسقان محمود وعمير على رأسه بالسيوف مقامها بالأمس على رأس عبد الرحمن ابن عمه وتكاثرت الدائرة والعامة عليه. وافتقد عبد الرحمن المستظهر فوجدوه في ابزن الحمام قد انطوى انطواء الحية في مكان حرجٍ، فأخرج في

الصفحة 54