كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 1-2)

قميص مسود بحالٍ قبيحة؛ وجيء به إلى محمد بن عبد الرحمن المستكفي وقد بويع يوم السبت الثالث من ذي قعدة سنة أربع عشرة وأربعمائة؛ فبطش به بعض الرجالة القائمين على رأسه، فتهلل وجه ابن عمه [القائم عليه] ، وأخذ في تدبير سلطانه. فكانت إمارة المستظهر - إلى أن قتل - سبعة وأربعين يوماً، لم تنتشر له فيها طاعة، ولا التأمت عليه جماعة، ولا تجاوزت دعوته قرطبة. وكان سنه يوم قتل ثلاثاً وعشرين سنة.
وكان على حداثة سنه ذكياً يقظاً لبيباً أديباً حسن الكلام جيد القريحة مليح البلاغة يتصرف فيما شاءه من الخطابة بديهة ورويةً، ويصوغ قطعاً من الشعر مستجادة. وقد اقتضب بحضرة الوزراءة في أيامه عدة رسائل وتوقيعات لم يقصر فيها عن الغاية، يزين ذلك بطهارة أثواب وعفةٍ وبراءة من شرب النبيذ سراً وعلانية. وكان في وقته نسيج وحده، ختم به فضلاء أهل بيته الناصريين، فلم يأت بعده مثله.
وهذه جملة ما وجد له من شعره: من ذلك قصيدة كتب بها إلى مشنف زوج سليمان بن الحكم، أيام خطب بنتها من سليمان المسماة حبيبة فلوته؛ وكان بقلبه من هذه الابنة مكان لنشأتهما معاً في ذلك الأوان؛ يقول فيها:

الصفحة 55