كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 1-2)

ويستعينهم على نكبته، وليس منهم من يصغي له، ولا يحفظ ما أضيع من حقه، وأرخص من علقه؛ وهو يخبطهم خبط العضاه بمقوله، فيصمون عنه، إلى أن مر بعقوة منذر بن يحيى أمير سرقسطة، فألقى عصا سيره عند من بواه، ورحب به وأوسع قراه؛ فلم يزل عنده، وعند ابنه بعده، مادحاً لهما، مثنياً عليهما، رافعاً من ذكرهما، غير باغٍ بدلاً بجوارهما، إلى أن مضى بسبيله، بعد أن جرت له، رحمه الله، على إحسانه الباهر، في فتنة البرابر مع أملاك الجزيرة، في طول الاغتراب والنجعة، أخبار شاقة، فيها لذي اللب موعظة بالغة.
وذكره أيضاً أبو عامر بن شهيد فقال: والفرق بين أبي عمر وغيره أن أبا عمر مطبوع النظام، شديد أسر الكلام؛ ثم زاد بما في أشعاره من الدليل على العلم بالخبر واللغة والنسب، وما تراه من حوكه للكلام، وملكه لأحرار الألفاظ، وسعة صدره، وجيشة بحره، وصحة قدرته على البديع، وطول طلقه في الوصف، وبغيته للمعنى وترديده، وتلاعبه به وتكريره، وراحته بما يتعب الناس، وسعة نفسه فيما يضيق الأنفاس. انتهى كلام ابن شهيد.
قال ابن بسام: وأنا أقول: إن من ذكره لم يوفه حقه، ولا أعطاه وفقه، ولا استوفى تقدمه وسبقه؛ ولو أوفى الأيام، واستنفد القراطيس

الصفحة 61