كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 1-2)

@ما أخرجته من قصائد السلطانيات
حكى أبو مروان بن حيان قال: لما استوسق الأمر بقرطبة لسليمان حسبما وصفناه، تعرض لمدحه من كان ثوى بقرطبة يومئذ من بقية الشعراء العامريين رجاءً في ثمد نواله، فصاغوا في مديحه أشعاراً حسنةً استذموا فيها إلى الدين والمروءة، وأنشدها أكثرهم في مجلس حفله علانية فأصغى وهش، ثم غل المديح فما بل ولا رش؛ وتم لذلك تقويض الجماعة عن حضرة قرطبة، وتخلى الكثير منهم عن ولايته، فأمحى لذلك رسم الأدب بها، وغلب عليها العجمة، وانقلب أهلها من الإنسانية المتعارفة إلى العامية الصريحة، وفارقوا الحرية.
وكان ممن شهر امتداحه للخليفة سليمان يومئذ، وحفظ كلامه من تلك الطبقة العلية، كبيرها أبو عمر أحمد بن محمد بن دراج القسطلي، وقد كان إلى وقته ذلك ثاوياً بقرطبة، يحسب أن سليمان سيجيره من الزمان، وكان النجم أدنى من ذلك إليه. دخل عليه أول مجلسٍ كان له بالقصر فأنشده قصيدته التي أولها:
شهدت لك الأيام أنك عيدها ... لك حن موحشها وآب بعيدها
[وأضاء مظلمها، وأفرخ روعها ... وأطاع عاصيها، ولان شديدها]

الصفحة 67