كتاب المنهج الحركي للسيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

لنفسه مقالته الأولى، ويحدد ما هو متأكد من نقله، مما هو شاك فيه. إن خطأ السمع احتمال أساسي آخر ينبغي التحرز منه ونحن نستمع للأخ الذي ينقل شكاية عن أخيه الآخر مهما كان وضع الأخ الآخر متهما أو مشكوكا فيه.
الاحتمال الثالث: أن يكون الفهم خاطئا للكلام (فلعله شبه عليك؟ قال: لا والله لقد سمعت منه يا رسول الله. وهذا أكثر الاحتمالات وقوعا في الصف المسلم أن يفهم الكلام على غير قصده أو غير معناه، وبالتالي تتأزم الأمور لسوء تفاهم أو سوء فهم من طرف واحد، ثم تبني الأحكام كلها على ضوء هذا الفهم السيء، ويتصدع الصف نتيجة أوهام لا حقائق، ونتيجة تفسيرات وفهوم لكلمات معينة لا نتيجة نقل أمين لمعناها، والأصل حين تقوم الثقة بين أبناء الصف أن يكون الأخ مصدقا عند إخوانه حين يعلن رأيه وفهمه ويقسم عليه، ولكم رأينا خلافات عميقة وشروخا كبيرة في الصفوة من إخواننا نتيجة فهم خاطىء لكلام صادر. أو تفسير سيء لنقد قائم بعيد عن التجريح والإساءة. والمنهج النبوي أمامنا في التحقيق نتمنى أن يكون درسا عمليا لجهاز الأمن وأجهزة التحقيق في الجماعة، ومهما كد ذهننا في التحقيقات، فلن تخرج الاحتمالات عن هذه المجالات الثلاثة: غرض في النقل، أو خطأ في النقل، أو خطأ في الفهم. وليس من حق قيادة الجماعة مهما كان الناقل صادقا والمنقول عنه متهما أن تصدر حكما قبل التحقيق في القول نفسه، ولو فعلت ذلك لجافت منهج النبوة، ولكانت أداة لزلزلة الصف وزعزعة الثقة عوضا عن أن تكون صمام الأمان له ومحور اللقاء والثقة فيه.
والنفاق لا يستطيع أن يتحرك ويتمطى ويثمر الثمرة المرة إلا في الابتعاد عن المنهج النبوي في التحقيق والإدانة.
6 - ثم ماذا بعد التحقيق؟ يأتي دور الاستماع للخصم ودفاعائه. فلقد جاء ابن أبي وأقسم بالله تعالى ما قال، وحلف على ذلك. وتأزم الموقف من جديد. وانقسم الصفوة من الصحابة بين مصدق ومكذب، بعد حلف ابن أبي، فالذين يعرفون ابن أبي لم يخالجهم الشك في قوله، واندفع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليقول: يا رسول الله مر به عباد بن بشر ليقتله، ولا

الصفحة 267