كتاب المنهج الحركي للسيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

أ - فالتثبت والتحقق من الحادثة هو الواجب الأول، وهو ما رأيناه من الأسئلة العديدة التي وجهها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد قبل أن يحكم على صحة مقالته. وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قد فعل ذلك، فأحرى بأية قيادة أن تتثبت قبل أن تصدر الحكم. لأنها هي المسؤولة عن أمن جماعتها وأفرادها. وتسرعها بإصدار الحكم يعني بتر بعض قواعدها، أو إثارة فتنة في صفها، أو ظلم جندي من جنودها، والجماعة التي لا تقدر الفرد فيها لن تستطيع أن تستفيد منه ساعة المحنة. وإذا كنا لا نملك وحيا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثبت الواقعة أو يكذبها ففي البيانات التي اشترطها الإسلام من الشهود والعدول، أو من البينات التي قدمها العلم الحديث كالتسجيل لكلام المتهم أو التصوير له جوانب فرعية يمكن أن تساعد في سعة التحقيق وصحته.
ب - ثم في مواجهة انتشار الفتنة. إذ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرحيل في وقت لم يكن يرحل فيه وكما يقول ابن هشام في السيرة (ثم مشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس يومهم ذاك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذاك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل في الناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما، إنما فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشغل الناس بالحديث الذي كان بالأمس (¬1)).
فلا بد إذن من إشغال الناس عن الفتنة، والقاعدون حين تشتعل الفتنة لا يكون لهم حديث إلاها حتى في المجتمع النبوي. والقيادة الحكيمة هي التي تملأ فراغ شبابها بعمل مثمر. أو تدريب مناسب أو جهاد مباشر للعدو بحيث يستفرغ العمل وسعهم ويستنفد طاقتهم. ويصرفهم عن الانشغال بالقيل والقال وكثرة السؤال. وعن تأثرهم سلبا أو إيجابا بهذه الترهات.
ج - ثم كان عرض الرأي على الخلص من أصحاب عبد الله بن أبي
¬_________
(¬1) تهذيب السيرة ص 211.

الصفحة 277