كتاب المنهج الحركي للسيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

نحورهم، وازداد جرأة وحقدا وتحديا بعد جلاء بني قينقاع عن المدينة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من لي بابن الأشرف فقد آذاني. فقال محمد بن مسلمة: أنا به يا رسول الله، وأنا أقتله، قال: فافعل وأمره بمشاورة سعد بن معاذ. فاجتمع محمد بن مسلمة ونفر من الأوس منهم عباد بن بشر، وأبو نائلة سلكان بن سلامة، والحارث بن أوس، وأبو عبس بن جبر. فقالوا: يا رسول الله نحن نقتله فأذن لنا فلنقل، قال: قولوا. فأتاه أبو نائلة وهو في نادي قومه - وكان هو ومحمد بن مسلمة أخويه من الرضاعة - فتحدثا وتناشدا الأشعار حتى قام القوم فقال له: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء. حاربتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة، وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس، وضاع العيال؟ فقال كعب: قد كنت أحدثك بهذا أن الأمر سيصير إليه، قال أبو نائلة: ومعي رجال من أصحابي على مثل رأي، وقد أردت أن آتيك بهم فنبتاع منك طعاما وتمرا، ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة. واكتم عنا ما حدثتك من ذكر محمد؟ قال: لا أذكر منه حرفا، لكن أصدقني، ما الذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتخلي عنه، قال: سررتني، فماذا ترهنونني؟ قال: الحلقة (¬1). فرضي. وقام أبو نائلة من عنده على ميعاد، فأتى أصحابه فأجمعوا أن يأتوه إذا أمسى لميعاده، وأخبروا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمشى معهم ووجههم من البقيع وقال: امضوا على بركة الله وعونه، وذلك بعد أن صلوا العشاء في ليلة مقمرة مثل النهار. فأتوا ابن الأشرف فهتف به أبو نائلة - وكان حديث عهد بعرس، فوثب ونزل من حصنه إليهم. فجعلوا يتحادثون ساعة، ثم مشوا قبل شرج العجوز (¬2) ليتحادثوا بقية ليلتهم؟ فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب وقال: ما أطيب عطرك هذا!! ثم مشى ساعة وعاد لمثلها وأخذ بقرون رأسه فضربه الجماعة بأسيافهم، ووضع محمد بن مسلمة مغولا (¬3) معه في سرة كعب حتى انتهى إلى عانته. فصاح صيحة أسمعت جميع أطام اليهود فأشعلوا
¬_________
(¬1) الحلقة: السلاح عامة والدروع خاصة.
(¬2) شرج العجوز: موضع بقرب المدينة.
(¬3) مغول: سيف دقيق قصير ماض يكون في جوف سوط ليشده الفاتل على وسطه ليغتال به الناس.

الصفحة 348