كتاب المنهج الحركي للسيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

ويدل على مدى كفاءته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجمع أبويه لأحد غير سعد. وأما طلحة بن عبيد الله فقد روى النسائي عن جابر قصة تجمع المشركين حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من الأنصار، قال جابر: فأدرك المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال من للقوم؟ فقال طلحة: أنا، ثم ذكر جابر تقدم الأنصار وقتلهم واحدا بعد واحد بنحو ما ذكرنا من رواية مسلم فلما قتل الأنصار كلهم تقدم طلحة، قال جابر: ثم قاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه، فقال: حسن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون، قال: ثم رد الله المشركين، ووقع عند الحاكم في الإكليل أنه جرح يوم أحد تسعا وثلاثين أو خمسا وثلاثين، وشلت إصبعه، أي السبابة والتي تليها.
وروى البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة شلاء، وقى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد. وروى الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيه يومئذ: (من ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله). وروى أبو داود الطيالسي عن عائشة قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك اليوم كله لطلحة. وقال فيه أبو بكر أيضا:
يا طلحة بن عبيد الله قد وجبت ... لك الجنان وبوئت المها العينا
وفي ذلك الظرف الدقيق والساعة الحرجة أنزل الله نصره بالغيب ففي الصحيحين عن سعد، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، ومعه رجلان يقاتلان معه (¬1) عليهما ثياب بيض، كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد، وفي رواية يعني جبريل وميكائيل.
بداية تجمع الصحابة حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وقعت هذه كلها بسرعة هائلة في لحظات خاطفة وإلا فالمصطفون الأخيار من صحابته - صلى الله عليه وسلم - - الذين كانوا في مقدمة صفوف المسلمين عند القتال - لم يكادوا يرون تطور الموقف أو يسمعون صوته - صلى الله عليه وسلم - حتى أسرعوا إليه لئلا يصل إليه شيء يكرهونه .. إلا أنهم وصلوا
¬_________
(¬1) كان هذا في اللحظة التي سقط فيها طلحة جريحا، ولم يبق حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قرشي واحد هو سعد بن أبي وقاص راوي الحديث.

الصفحة 406