كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام - محمد جميل مبارك

وقبله الإمام الجويني الذي اختار في الاستدلال على وجوب العمل بخبر الواحد مسلكين:
أحدهما: يستند إلى أمر متواتر لا يتمارى فيه إلا جاحد، ولا يدرؤه إلا معاند.
"والمسلك الثاني مستند إلى إجماع الصحابة " (1) .
والجويني يلخص بهذا موقف الأصوليين، ويوحد بينهم وبين المحدثين في وجوب العمل بخبر الواحد، رغم المناقشات المستفيضة التي أثارها الأصوليون حول إفادة خبر الواحد العلم أو الظن كما سيأتي، لكن العبرة بهذه النتيجة التي جمع فيها الجويني حجتين يقينيتين قاطعتين هما: التواتر والإجماع، أي التواتر في نقل الروايات التي توجب العمل بخبر الواحد، وإجماع الصحابة على العمل بخبر الواحد، وهذا الإجماع منقول نقلاً متواتراً مفيداً للقطع واليقين.
فلم يُبْقِ الأصوليون بعد هذه الحجج عذراً لأحد في مخالفة خبر الواحد.
ولم يكتف العلماء بإقامة هذه الحجج على وجوب العمل بخبر الواحد حتى دحضوا كل الشبه، وفندوا كل الحجج التي تعلق بها منكرو حجية خبر الآحاد، سواء منهم أولئك الذين ردُّوه جملة، وأولئك الذين ردوه إذا كان في موضوع العقائد.
ومن تلك الشبه: ما تعلقوا به من قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ
__________
(1) البرهان 1/600 – 601، وأضاف الزركشي إلى هذين مسلكا ثالثا وهو: " أن العمل بخبر الواحد يقتضي رفع ضرر مظنون فكان العمل به واجبا…" البحر المحيط 1/260.

الصفحة 24