كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام - محمد جميل مبارك

بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] فقد فهموا أن النهي يتناول الأخذ بخبر الواحد من حيث إن الأخذ به اتباع ما ليس للآخذ به علم، وقد عَدَّ ابن حزم تعلقهم بهذه الآية أقوى ما شغبوا به، ورد عليهم بقوله: "وهذه الآية حجة لنا عليهم في هذه المسألة؛ لأنا لم نَقْفُ ما ليس لنا به علم، بل قد صَحَّ لنا به العلم، وقام البرهان على قبوله، وصح العلم بلزوم اتباعه والعمل به، فسقط اعتراضهم بهذه الآية ... " (1) .
ورد عليهم إمام الحرمين تمسكهم بظاهر هذه الآية بأن "مضمون الآية: النهي عن اقتناء الظنون من غير ضبط متأيد بمراسم الشرع، وليس الغرض الإضراب عن كل ما ليس معلوما" (2) .
وقد عاكسهم ابن القيم في الاحتجاج بالآية على عكس ما احتجوا بها عليه، وهو وجوب العمل بخبر الواحد، وإفادته للعلم من حيث إن المسلمين لم يزالوا منذ عهد الصحابة يتبعون أخبار الآحاد ويعملون بمقتضاها، ويثبتون بها صفات الله تعالى "فلو كانت لا تفيد علما لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قَفَوْا ما ليس لهم به علم" (3) .
ومن تلك الشبه: أنهم رأوا وقائع في عهد الصحابة فهموا منها أنهم يرفضون الاحتجاج بخبر الواحد، كرد أبي بكر لخبر المغيرة بن شعبة في
__________
(1) الإحكام 1/103.
(2) البرهان 1/605.
(3) مختصر الصواعق المرسلة ص 479.

الصفحة 25