كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام - محمد جميل مبارك

وقول أهل الاختصاص في كل فن مقدم على قول غيرهم، وهذا ما أيد به ابن القيم ترجيحه للقول بإفادة خبر الواحد للعلم، فإذا "كان أهل الحديث عالمين بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذه الأخبار وحدث بها في الأماكن والأوقات المتعددة، وعلمهم بذلك ضروري؟!! لم يكن قول من لا عناية له بالسنة والحديث، وأن هذه أخبار آحاد لا تفيد العلم، مقبولاً عليهم، فإنهم يدعون العلم الضروري، وخصومهم إما أن ينكروا حصوله لأنفسهم أو لأهل الحديث؛ فإن أنكروا حصوله لأنفسهم لم يقدح ذلك في حصوله لغيرهم، وإن أنكروا حصوله لأهل الحديث كانوا مكابرين لهم على ما يعلمون من نفوسهم ... " (1) .
أما أن يقول أهل الكلام إنه لا يفيد العلم فإنهم وأتباعهم "في غاية قلة المعرفة بالحديث وعدم الاهتمام به" (2) .
ويلاحظ أن في كلام ابن القيم رحمه الله مبالغة في المسألة من حيث جعل العلم الذي يفيده خبر الواحد علماً ضرورياً، وهذه المبالغة تؤدي إلى زوال الفرق بين الخبر المتواتر وخبر الآحاد؛ فالفرق بينهما أن المتواتر يفيد العلم الضروري، وخبر الواحد يفيد العلم النظري، وإذا زال هذا الفرق لم يبق لتقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد معنى.
فهل العلم الذي يفيده خبر الواحد ضروري أو نظري؟
__________
(1) السابق ص 455.
(2) السابق 454.

الصفحة 44