كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام - محمد جميل مبارك

يسمح الوقت للقيام به الآن، إذ في نسبة الأقوال إلى العلماء اضطراب في المصادر. ومن أوجه هذا الاضطراب: أن ابن القيم رحمه الله نسب القول بإفادة خبر الواحد للعلم إلى مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة بما يفيد أنهم نصوا على ذلك، وعبارته: "فممن نص على أن خبر الواحد يفيد العلم: مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة إلخ" (1) بل ذكر أن الشافعي قد صرح في كتبه بأن خبر الواحد يفيد العلم، قال: " نص على ذلك صريحاً في كتابه: اختلاف مالك" (2) .
أما في الرسالة فذكر أنه لا يوجب العلم الذي يوجبه نص الكتاب والخبر المتواتر، لكنه على كل حال يفيد العلم، وساق نصه في مناظرته مع بعض منكري أخبار الآحاد.
بينما نجد آخرين ينسبون إليهم القول بإفادته للظن لا للعلم، قال ابن عبد البر: "والذي عليه أكثر أهل العلم منهم أنه يوجب العمل دون العلم، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر، ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شهد به على الله وقطع العذر بمجيئه قطعاً…" (3) .
ونسب إلى الإمام أبي حنيفة أن خبر الواحد لا يفيد العلم وإنما يفيد الظن قال أستاذنا د. محمد بلتاجي: "وقد راجعت كل ما استخلصته على فقه أبي حنيفة ومسائله وأقواله ذاتها، وانتهيت إلى أن أبا حنيفة كان يرى
__________
(1) مختصر الصواعق المرسلة ص 457.
(2) السابق ص 459 وانظر اختلاف مالك والشافعي في الأم 7/177.
(3) التمهيد 1/7.

الصفحة 47