كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام - محمد جميل مبارك

الواحد للعلم إذا لم يرتق إلى درجة ما تلقته الأمة بالقبول، وقد حكي القولان عن الإمام أحمد، وقد نص ابن القيم على أن من بين القائلين بإفادة خبر الواحد للظن "جماعة من أهل الحديث" (1) ، وبذلك لا يُسَلَّمُ قول من ادَّعَى أن الخلاف إنما حدث خارج دائرة أهل الحديث.
ولعل الرغبة في تقليص شقة الخلاف في المسألة هي التي حدت بالحافظ ابن حجر أن يقول: " والخلاف في التحقيق لفظي، لأن من جوز إطلاق العلم قيده بكونه نظريا، وهو الحاصل عن الاستدلال، ومن أبى الإطلاق خص لفظ العلم بالتواتر، وما عداه عنده كله ظن، لكن لا ينفي أن ما احتفت به القرائن أرجح مما خلا عنها" (2) .
وإن كان الزركشي رفض كون الخلاف لفظيًّا، فالنتيجة أن الخلاف ليس بذي بال إذا كان الاتفاق حاصلاً على وجوب العمل بخبر الواحد في جميع المجالات.
على أن بعض الأصوليين والفقهاء لجؤوا إلى تأويل مذهب أهل الحديث ومن معهم من الظاهرية في إفادة خبر الواحد للعلم حتى يجعلوا قولهم آيلا إلى قولهم، فابن دقيق العيد حاول أن يجمع بين مذهب الظاهرية ومعهم المحدثون، وبين مذهب غيرهم في إفادة خبر الواحد للعلم أو الظن بقوله: "قد أكثر الأصوليون من حكاية إفادته القطع عن الظاهرية أو بعضهم، وتعجب الفقهاء وغيرهم منهم!!؛ لأنا نراجع أنفسنا
__________
(1) السابق ص 466.
(2) نزهة النظر ص 26.

الصفحة 53