كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام - محمد جميل مبارك

ذلك إلى "أكثر أهل الفقه والأثر، وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعا ودينا في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة" (1) .
فبناء على هذا التقرير يكون خبر الواحد حجة في العقائد كما يكون حجة في الأحكام، وفي الوقت نفسه لا يوجب العلم وإن أوجب العمل، فتصير هذه الثمرة لهذا الخلاف منعدمة على هذا التقرير.
بل إن من الأصوليين الذين اشتهر عنهم القول بإفادة خبر الواحد للظن مَنْ يصرح بصحة إثبات العقائد بخبر الواحد، على أن يكون الاحتجاج بمجموع أخبار الآحاد لا بآحادها. قال الزركشي: " سبق منع بعض المتكلمين من التمسك بأخبار الآحاد فيما طريقه القطع من العقائد، لأنه لا يفيد إلا الظن، والعقيدة قطعية، والحق: الجواز، والاحتجاج إنما هو بالمجموع منها، وربما بلغ مبلغ القطع، ولهذا أثبتنا المعجزات المروية بالآحاد" (2) .
وهنا يأتي سؤال على تقرير الحافظ ابن عبد البر وغيره ممن أوجبوا العمل بخبر الواحد في العقائد والأحكام معاً، لكنه مع ذلك لا يفيد إلا الظن، والسؤال هو: لماذا لم يجعلوه مفيدا للعلم كما جعلوه مفيداً للعمل موجبا له؟
__________
(1) التمهيد 1/8.
(2) البحر المحيط 1/266.

الصفحة 60