كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام - محمد جميل مبارك

فوقه، ويقبله عنه من تحته" (1) ، وكتمثيله بعقائد ثبتت بخبر الواحد، دون أن يخص منكري حجية خبر الواحد في العقائد برد، مما يدل على عدم وجود القائلين بالتفرقة في عهده، ومن ذلك قوله: "ومن زعم أن الحجة لا تثبت بخبر المخبر الصادق عند من أخبره فما يقول في معاذ إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن والياً ومحارباً من خالفه، ودعا قوما لم يلقوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أخذ الصدقة منهم وغيرها....؟ " (2)
ففي هذا النص دليل واضح على عدم وجود من يفرق بين العقائد والأحكام في عهد الإمام الشافعي، وإنما فيه رد خبر الواحد جملة لا في العقائد ولا في الأحكام.
وقد صنع مثل صنيعه الإمام البخاري في صحيحه، فقد ساق أمثلة عديدة لوجوب العمل بخبر الواحد مع التسوية بين العقائد والأحكام، فقد ساق حديث وفد عبد القيس الذي أمرهم فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأركان الإسلام وقال لهم في آخره: "احفظوهن وأبلغوهن مَنْ وراءكم" ومن بين الأمور التي أمروا بحفظها وإبلاغها: أمر العقيدة، فدل ذلك على أن الحجة تقوم بخبر الواحد في العقائد كما تقوم به في الأحكام.
ويفهم من عدم تصريحه كسابقه الإمام الشافعي بالتسوية بين العقائد والأحكام ولا بالتفرقة بينهما: أن التفرقة بينهما لم تنشأ إلا بعد زمنهما ولم أقف فيما اطلعت عليه على من يفرق بين المجالين في عهدهما ولا قبل
__________
(1) الرسالة ص 457.
(2) كتاب اختلاف الحديث بهامش الأم 7/13.

الصفحة 63