كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام - محمد جميل مبارك

عهدهما، فلم يثبت أن أحداً من الصحابة والتابعين وتابعيهم ولا أحداً من الأئمة المعروفين ذهب إلى هذه التفرقة، ويبدو أن التفرقة نشأت نشأة غير بريئة ترمي إلى رفض كثير من العقائد التي لم يكن لها مستند إلا خبر الواحد.
وقد جزم ابن القيم رحمه الله بأن الشافعي "لم يفرق هو ولا أحد من أهل الحديث البتة بين أحاديث الأحكام وأحاديث الصفات، ولا يعرف هذا الفرق عن أحد من الصحابة ولا عن أحد من التابعين ولا عن تابعيهم ولا عن أحد من أئمة الإسلام وإنما يعرف عن رؤوس أهل البدع ومن تبعهم" (1) .
ولا شك أن هؤلاء الذين لا يعرفون الفرق بين أحاديث الأحكام وأحاديث الصفات قد تواطؤوا على الاستدلال بخبر الواحد على أمور العقيدة، فتكون بدعة التفرقة بين أحاديث الأحكام وأحاديث الصفات قد نشأت متأخرة عن بدعة رفض الاحتجاج بخبر الآحاد، وكأن تلك بنيت على أنقاض هذه، فبعد أن فشل المبتدعون في رد أخبار الآحاد لجأوا إلى رد ما تعلق منها بالعقيدة ظاهرين بمظهر المدافعين عن العقيدة حتى تكتسي بدعتهم بعض المشروعية، وإلا فإن الوقائع التاريخية تدحض هذه التفرقة من حيث إن صحابياً إذا روى لغيره حديثاً في موضوع الصفات تلقاه عنه بالقبول، واعتقد مضمونه على القطع واليقين بمجرد
__________
(1) مختصر الصواعق المرسلة ص 503.

الصفحة 64