كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام - محمد جميل مبارك

سماعه، وإذا تثبت أحد منهم في قبول خبر الواحد ففي بعض الأحكام. أما في الصفات فلم يطلب أحد منهم الاستظهار فيها "بل كانوا أعظم مبادرة إلى قبولها وتصديقها والجزم بمقتضاها وإثبات الصفات بها من المخبر لهم بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" (1) .
ولكن المؤسف أن هذه البدعة تسربت عبر الزمان إلى فكر الذين لا يحملون أي دخلة خبيثة لهذا الدين من متأخري الأصوليين والفقهاء، وبذلك اختلطت أسباب التفرقة بين العقائد والأحكام باختلاف دوافع التفرقة.
فالمبتدعة ردوا كل العقائد التي رويت بطريق أخبار الآحاد فراراً منهم من التجسيم -زعموا- وهروباً إلى التعطيل، بل عمموا المسألة في السنة كلها متواترها وآحادها بناء على قاعدة بناء العقائد على القطع ولا يمكن أن تبنى العقائد على الأخبار كلها، أما المتواتر منها فرغم كونه قطعي الثبوت غير قطعي الدلالة، ولا شك أن النص القرآني نفسه ينطبق عليه هذا الوصف، فهو غير قطعي الدلالة وإن كان قطعي الثبوت؛ لأن في النصوص القرآنية الواردة في العقائد ما يتنافى مع ما يعتقدون من التعطيل والإبطال.
فإذا كانت نصوص القرآن والسنة المتواترة التي لا تفيد القطع من جهة الدلالة، ونصوص أخبار الآحاد لا تفيد القطع من الجهتين معا: جهة الدلالة وجهة السند فذلك "إبطال لدين الإسلام رأساً "كما قال ابن
__________
(1) مختصر الصواعق المرسلة 457.

الصفحة 65