كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام - محمد جميل مبارك

القيم رحمه الله (1) .
فالدافع الأقوى إلى هذه التفرقة هو الموقف من الأسماء والصفات التي يثبتها السلف بنصوص القرآن والسنة معا كما وردت، مع تفويض الكيف إلى الله سبحانه وتعالى وتنزيهه عن مشابهة المخلوقات، بينما المبتدعة يعطلون حذراً من التجسيم الذي تُصَوِّره عقولهم.
أما الذين تسربت إليهم هذه التفرقة مع سلامتهم من تلك البدعة، فكان دافعهم الحرص على سلامة منطلقات العقيدة، وأول منطلقاتها هو العلم، فمعرفة الله ومعرفة صفاته لا يكفي فيها مجرد الظن، فالظن في هذا الموضع مذموم؛ لأن الله ألزم المكلفين القطع واليقين في عقيدتهم، وذلك ما لا سبيل للظن إلى تحقيقه، وفي هذا قال الخطيب البغدادي رحمه الله: "خبر الواحد لا يقبل في شيء من أبواب الدين المأخوذ على المكلفين العلم بها والقطع عليها… أما ما عدا ذلك من الأحكام التي لم يوجب علينا العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قررها، وأخبر بها عن الله عز وجل فإن خبر الواحد فيها مقبول والعمل بها واجب" (2) .
ومثله قول أبي بكر السمرقندي: "خبر الواحد لا يحتج به في العقائد لأنه يوجب الظن وعلم غالب الرأي لا علماً قطعياً، فلا يكون حجة فيما يبتني عليه العلم القطعي والاعتقاد حقيقة" (3) .
وجاهر ابن برهان بمخالفته لأصحاب الحديث في قوله إن " خبر
__________
(1) مختصر الصواعق 2/439.
(2) الكفاية ص 432.
(3) ميزان الأصول 2/643.

الصفحة 66