كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 1)

وهذا اختيار (¬١) ابن جرير رحمه الله.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: قوله: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} أي: لِمَ تقولون الخير وتحثون عليه، وربما تمدحتم به، وأنتم لا تفعلونه؟ ! وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون متصفون به؟ ! ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس مبادرة إليه، والناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس عنه. اهـ (¬٢).
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ (¬٣) فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ، مَا شَانُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَامُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ، فَيَقُولُ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» (¬٤).
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ (¬٥) مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل؟ قَالَ: خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا كَانُوا يَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ» (¬٦).
قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}: قال الراغب: المقت هو البغض الشديد لمن تراه فعل القبيح (¬٧)، كما في
---------------
(¬١) تفسير ابن كثير (٤/ ٣٥٨).
(¬٢) تفسير ابن سعدي (ص: ٦٩١١).
(¬٣) يعني أمعاءه.
(¬٤) صحيح البخاري برقم (٣٢٦٧)، وصحيح مسلم برقم (٢٩٨٩).
(¬٥) يعني آلات القطع والقص.
(¬٦) مسند الإمام أحمد (١٩/ ٢٤٤) برقم (١٢٢١١)، وقال محققوه: حديث صحيح.
(¬٧) معجم مفردات ألفاظ القرآن (ص: ٤٩٠).

الصفحة 146