كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 1)

وقوله: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ}: أي في الدنيا بشهواتهم وملذاتهم عن العمل ليوم الحسرة، وقوله: {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، أي: لا يصدقون بالبعث بعد الموت وما فيه من نعيم مقيم لمن أطاع الله، ومن عذاب أليم لمن عصى الله.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ - زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ: فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ - فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ: وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالَ: فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ». قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: ٣٩]، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الدُّنْيَا (¬١).
وفي رواية لهما من حديث ابن عمر: «فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ» (¬٢).
ومن فوائد الآية الكريمة:
أولاً: أنه في يوم الحسرة والندامة يندم الكافر على كفره، والظالم على ظلمه، والمقصر في طاعة ربه على تقصيره، ولكن لا ينفع الندم؛ قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر: ٥٢].
وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ
---------------
(¬١) صحيح البخاري برقم (٤٧٣٠)، وصحيح مسلم برقم (٢٨٤٩) واللفظ له.
(¬٢) صحيح البخاري برقم (٦٥٤٨)، وصحيح مسلم برقم (٢٨٥٠).

الصفحة 170