كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 2)

ومن صور أكل المال المحرم: الاعتداء على رواتب العمال وعدم إعطائهم حقوقهم في أوقاتها، وأكل مال اليتيم، والاعتداء على ممتلكات الناس، ومن صور أكل المال المحرم التي نشاهدها كثيرًا في الأسواق: الحلف على السلعة باليمين الكاذب، والغش في المعاملات وغير ذلك.
وآكل الحرام إنما يعرِّض نفسه للعقوبة في الدنيا، وفي قبره، ويوم القيامة.
أما في الدنيا: فقد تكون العقوبة خسارة في ماله، أو محق إلهي للمال الذي اكتسبه ونزع البركة منه، أو مصيبة في جسده، قال تعالى: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: ٢٧٦].
وأما في قبره، فقد ورد في الحديث أن عبدًا يُقال له مدعم كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستشهد في غزوة خيبر، أصابه سهم طائش، فقال الصحابة رضي الله عنهم: هنيئًا له الشهادة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كَلَاّ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» (¬١).
وهذه الشملة عباءة قيمتها دراهم معدودة، ومع ذلك لم يسلم صاحبها من عقوبة أكل المال الحرام.
وأما في الآخرة فروى الإمام أحمد في مسنده من حديث كعب بن عجرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «يَا كَعْبُ! لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ نَبَتَ لَحْمُه مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ» (¬٢).
---------------
(¬١) صحيح البخاري برقم (٦٧٠٧).
(¬٢) قطعة من حديث في مسند الإمام أحمد (٢٣/ ٤٢٥) برقم (١٥٢٨٤) وقال محققوه: إسناده قوي على شرط مسلم.

الصفحة 195