كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 2)

الكلمة الخامسة والثلاثون: وقفة مع آيات من كتاب الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
قال تعالى في سياق قصة آدم مع عدو الله إبليس: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: ١٢٣ - ١٢٤].
ذكر الله سبحانه في هذه الآيات حال من اتبع هداه وما له من الرغد وطيب الحياة في معاشه ومعاده، فقال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}، فتكفل الله لمن حفظ عهده علمًا وعملاً أن يحييه حياة طيبة، ويجزيه أجره في الآخرة، فقال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧].
وقال سبحانه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [يونس: ٦٢ - ٦٤].
ثم بين سبحانه حال الفريق الآخر فقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [طه: ١٢٤] أي كتابي، ولم يتبعه ويعمل بما فيه، {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}.
قال ابن كثير رحمه الله: (أي في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء

الصفحة 199