كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 1)

الشاب الذي يلزم نفسه بالطاعة والاجتهاد فيها، فاستحق بذلك أن يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله.
لقد علم أنه مسؤول عن شبابه فيم أبلاه، فعمل بوصية نبيه - صلى الله عليه وسلم - التي أوصى بها حيث يقول: «اغتَنِمْ خَمسًا قَبلَ خَمسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ» (¬١).
والثالث: رجل قلبه معلق بالمساجد، فلا يكاد إذا خرج من المسجد أن يرتاح لشيء حتى يعود إليه، لأن المساجد بيوت الله، ومن دخلها فقد حلَّ ضيفًا على ربه، فلا قَلْبَ أطيب ولا نفسَ أسعد من رجلٍ حلَّ ضيفًا على ربه في بيته وتحت رعايته.
وهؤلاء عمَّار المساجد على الحقيقة الذين قال الله فيهم: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَاّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ} [التوبة: ١٨].
روى أبو نعيم في حلية الأولياء من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَتَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ كَانَ الْمَسجِدُ بَيْتَهُ، بِالرَّوْحِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ، إِلَى رِضْوَانِ اللهِ إِلَى الْجَنَّةِ» (¬٢).
وهذه الضيافة تكون في الدنيا: بما يحصل في قلوبهم من الاطمئنان والسعادة والراحة، وفي الآخرة: بما أعدَّ لهم من الكرامة في الجنة.
---------------
(¬١) مستدرك الحاكم (٤/ ٣٤١) رقم (٧٨٤٤)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (١٠٧٧).
(¬٢) حلية الأولياء (٦/ ١٧٦)، وقال المنذري في كتابه: الترغيب والترهيب (١/ ٢٩٨)، رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار، وقال إسناده حسن وهو كما قال رحمه الله. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٧١٦).

الصفحة 24