كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 1)

والاستخارة، ولهذا قال أبو حاتم البستي رحمه الله: «إن العَجِلَ يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعدما يحمد، والعَجِلُ تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تسميها أم الندامات» (¬١). اهـ.
قال الشاعر:
قَدْ يُدْرِكُ المُتأَنِّي بَعْضَ حَاجتِهِ ... وَقَد يَكُونُ مَعَ المُستَعجلِ الزَّلَلُ

ومن الأمثلة على العجلة المذمومة: الاستعجال بالدعاء على الأهل، والمال والولد عند الغضب، قال تعالى: {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء: ١١].
روى مسلم في صحيحه من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ» (¬٢).
ولعل كثيرًا مما نرى من المصائب والأمراض وفساد الأولاد يكون بسبب الدعاء عليهم، وكثير من الناس لا يشعر بذلك، فهل من مُدَّكِر؟
ومنها: استعجال المرء إجابة دعائه، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي» (¬٣).
ومنها: استعجال بعض المصلين في صلاتهم، فلا يتمُّون ركوعها ولا سجودها ولا يطمئنون فيها، وقد جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رجلاً صلى عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ
---------------
(¬١) روضة العقلاء (ص: ٢٨٨).
(¬٢) صحيح مسلم برقم (٣٠٠٩).
(¬٣) صحيح البخاري برقم (٦٣٤٠)، وصحيح مسلم برقم (٢٧٣٥) واللفظ له.

الصفحة 41