كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 3)

حديث أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» (¬١).
قال ابن القيم: «جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين تقوى الله وحسن الخلق، لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه». اهـ (¬٢)، ولا يكتمل إيمان عبد مالم يوفق للخلق الحسن، روى الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِيْنَ إِيْمَانًا أَحْسَنُهُم خُلُقًا، وَخِيَارُكُم خِيَارُكُم لِنِسَائِهِم خُلُقًا» (¬٣).
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقًا، فمن أحب أن يهتدي إلى معالي الأخلاق فليقتد بمحمد - صلى الله عليه وسلم -. فعن أنس - رضي الله عنه - قال: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ؟ وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: لِمَ تَرَكْتَهُ؟ » (¬٤).
الوصية الخامسة: الثبات على هذا الدين، قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَاتِيَكَ اليَقِينُ} [الحجر: ٩٩]، أي الموت، وقال تعالى عن عيسى عليه السلام: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: ٣١]، روى الإمام أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوْبِ ثَبِّتْ قَلبِي عَلَى دِيْنِكَ» (¬٥)، وقد وردت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تبين أن المتمسكين بدينهم في آخر الزمان، الثابتين عليه يكونون غرباء، ولكنهم بذلك ينالون من الأجر مثل ما ناله أصحاب
---------------
(¬١) سنن الترمذي برقم (١٩٨٧) وقال: حديث حسن صحيح.
(¬٢) الفوائد (٨٤ - ٨٥).
(¬٣) برقم (١١٦٢) وقال حديث حسن صحيح.
(¬٤) سنن الترمذي برقم (٢٠١٥) وأصله في الصحيحين.
(¬٥) سبق تخريجه.

الصفحة 426