كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 3)

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ اجْتَرَّهُ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الدِّينَ» (¬١).
وقد كان - رضي الله عنه - رجلاً ملهمًا، نزل القرآن الكريم في موافقته في عدد من آرائه، ففي الصحيحين من حديث عمر أنه قال: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥]. وَآيَةُ الْحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ؟ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: ٥]، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (¬٢).
وكذلك وافقه في أسارى بدر، وفي ترك الصلاة على المنافقين، وفي غيرها من المواضع، وكان - رضي الله عنه - من أعلم الصحابة وأفقههم، قال عبد الله بن مسعود: لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان، ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح بهم علم عمر، ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم (¬٣).
---------------
(¬١) البخاري برقم (٣٦٩١)، ومسلم برقم (٢٣٩٠).
(¬٢) البخاري برقم (٤٠٢)، ومسلم برقم (٢٣٩٩).
(¬٣) مستدرك الحاكم (٤/ ٣٩) برقم (٤٥٥٣) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والطبراني في الكبير (٩/ ١٦٣) برقم (٨٨٠٩) وقال في مجمع الزوائد (٩/ ٦٩): رواه الطبراني بأسانيد ورجال هذا رجال الصحيح غير أسد بن موسى وهو ثقة.

الصفحة 781