كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 3)

يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ» ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: «اللهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» حَتَّى قُبِضَ، وَمَالَتْ يَدُهُ» (¬١). تَقُولُ عَائِشَةُ رضي الله عنها: مَاتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي، فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬٢)، وتقول أيضًا: «مَا رَأَيتُ أَحَدًا أَشَدَّ عَلَيهِ الوَجَعُ مِن رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -» (¬٣)، وقال بعض أهل العلم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - شدد عليه في سكرات الموت، رفعة لدرجاته، وإلا فهو المغفور له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، ثم بدأت الحمى الشديدة تنتشر في جسده عليه الصلاة والسلام، فيقول: «هَرِيقُوا عَلَيَّ مِن سَبعِ قِرَبٍ لَم تُحلَلْ أَوكِيَتُهُنَّ»، فيوضع في مخضب ثم يصب عليه الماء من تلك القرب، حتى أشار إليهم: أَنْ حَسبُكُمْ» (¬٤).
وكانت فاطمة بجوار النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد رأته وهو يعاني من هذه السكرات العظيمة، فقالت: واكرب أباه. فقال لها: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ» (¬٥).
ولما هم بالصلاة مع الناس أغمي عليه ثلاث مرات (¬٦)، ثم أفاق، ولكنه لا يزال يحمل هم الدعوة إلى الله، فيقول وهو في آخر رمق من حياته: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَت أَيمانُكُم (¬٧)، لَعنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ (¬٨)، أَلَا فَلَا
---------------
(¬١) صحيح البخاري برقم (٤٤٤٩).
(¬٢) صحيح البخاري برقم (٤٤٤٦).
(¬٣) صحيح البخاري برقم (٥٦٤٦).
(¬٤) صحيح البخاري برقم (٤٤٤٢).
(¬٥) صحيح البخاري برقم (٤٤٦٢).
(¬٦) صحيح مسلم برقم (٤١٨).
(¬٧) سبق تخريجه.
(¬٨) صحيح البخاري برقم (٤٣٥)، وصحيح مسلم برقم (٥٣١).

الصفحة 803