كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 3)

عَنْ حَارِثَةَ؟ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ - أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ (¬١) - فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ. قَالَ: «يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى» (¬٢).
خامساً: أن هذا الفضل الوارد في الآيات الكريمات والأحاديث الشريفة لا يكون إلا لمن قاتل لإعلاء كلمة الله، ونصرة دينه، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ» (¬٣).
أما من قاتل تحت راية عمية ينصر قومية، أو وطنية، أو حرية، أو غيرها من الشعارات الزائفة فهو كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ (¬٤)، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» (¬٥).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
---------------
(¬١) أي: طائش لا يعرف من رماه.
(¬٢) برقم (٢٨٠٩).
(¬٣) البخاري برقم (٢٨١٠)، ومسلم برقم (١٩٠٤).
(¬٤) عمية: قال القاضي عياض: يقال بكسر العين وبضمها، وكسر الميم وتشديدها وتشديد الياء، قال الإمام: قيل الأمر الأعمى كالعصبية، لا يستبين ما وجهه، قاله أحمد بن حنبل، وقال إسحاق: هذا في تجارح القوم وقتل بعضهم بعضاً وكأنه من التعمية وهو التلبيس، وفي حديث ابن الزبير: يموت ميتة عمية، أي: ميتة فتنة وجهل. المصدر: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (٦/ ٢٦٣).
(¬٥) برقم (١٨٥٠).

الصفحة 845