كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 2)

والتعبير بقوله: {يَعْتَدُونَ} للدلالة على تجدد البَغي والعدوان فيهم، وهو المشاهد فيهم حتى الآن.
79 - {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ. . .} الآية.
أي: ومما استحقوا به اللعنة: أَن المنكر فشا فيهم، حتى أَصبح مألوفا بينهم معروفا فيهم، لا يلقى مقاومة ولا زَجْرا ولا إنكارا، فلا ينهى بعضهم بعضا عنه.
روى الإِمام أَحمد والترمذي وأَبو داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم. قال: "لمَّا وَقَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ في المَعَاصِى، نهتْهُمْ علماؤُهم فلم ينتَهوا. فجالسوهم في مجالِسِهم أوْ في أَسْواقِهِمْ - وَواكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُم. فَضرَبَ الله قلوب بَعضهِم بِبَعض، وَلَعَنَهم عَلَى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْن مَرْيَمَ. ذَلِكَ بمَا عصوا وَكَانُوا يَعْتَدونَ. وَكانَ صَلى الله علَيهِ وَسَلَّمَ متَّكِئا فَجَلَسَ فَقالَ: لا، وَالذِي نَفْسِى بيَدِهِ، حَتى تأَطِروهُمْ على الحق أَطرا" (¬1)، أي تعطفوهم عليه.
وفي رواية لأَبي داود وابن ماجه والترمذي: "واللهِ لَتَأمرُن بالمعروفِ وَلتنهَوُنَّ عن المنكر، وَلَتَأخُذُنَّ على يَدِ الظالِم، وَلَتَأطِرنَّه على الحق أطْرًا. أَو لَيَضرِبَن الله قلُوبَ بعضكم بِبَعضٍ، ثَم يَلْعَنُكم كَما لَعَنَهُمْ".
ومن هذا يتضح: أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مفروض، في جميع الرسالات السماوية.
{لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}:
أي ما أَقبح فعلهم وسكوتهم على المنكر!
وقد عقب الله بهذا على الوصف السابق، لإظهار مدى قبح وشناعة ما كانوا يصنعون والتعبير بقوله: {يَفْعَلُونَ} للدلالة على استحضار الصورة القبيحة لما كانوا يفعلون، وللدلالة على استمرارهم في ذلك.
¬__________
(¬1) أي: تحملوهم على الحق حملا.

الصفحة 1134