كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 3)

وفي تفسير الخازن؛ قال ابن عباس: يريد النجاشي وأصحابه، لَمَّا قرأ عليهم جعفر ابن أَبي طالب سورةَ مريم. قال: فما زالوا يبكون حتى فرغ جعفر من القراءة.
{مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَق}:
أَي تفيض عيونهم من الدمع، من أَجل ما عرفوه من الحق (¬1).
وهذا شأن العلماء المخلصين، كما قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ... } (¬2) الآية.
{يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}:
يقولون - بعد أن اطمأنت قلوبهم للإسلام - ربنا آمنا بنبيك محمَّد ورسالته، فتقبل منا، واجعلنا مع أُمة محمَّد الذين سيشهدون على الأمم يوم القيامة، كما قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (¬3) الآية.
نقل هذا عن ابن عباس، وابن جريج.
وقال الحسن: الذين يشهدون بالإيمان.
وقال أَبو علي: الذين يشهدون بتصديق نبيك وكتابك.
84 - {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ}:
وأَىُّ شيءٍ يصرفنا عن الإيمان بالله، وتصديق ما جاءنا من الحق بعد ما تبين لنا صدق الرسول، وصحة رسالته - أَي لا شىءَ يصرفنا عن ذلك!!.
ونظير هذا الأسلوب قوله تعالى: {وَمَا لِىَ لَاَ أعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} (¬4).
والمراد بالحق: القرآن والإِسلام.
¬__________
(¬1) وقد جاءت "مِنْ" للتعليل - هنا - كما في قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} نوح، من الآية: 25، وفي قول الفرزدق في علي زين العابدين رضي الله عنه:
يغضى حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم
(¬2) الزمر، من الآية: 23
(¬3) البقرة، من الآية: 143
(¬4) يس من الآية: 22

الصفحة 1142