كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 1)

فقد بشر به عيسى، وأوجب عليهم تصديقه. فإذا زال عنهم وصف اتباعهم لعيسى عليه السلام - بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو عدم دخولهم في الإسلام - فقد زال استحقاقهم لوعد الله، بأن يجعل من يتبع عيسى، فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة لسببين:
أحدهما: كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبدينه.
وثانيهما: عقيدتهم الباطلة في عيسى.
وكلا السببين: مخرج لهم عن اتباعهم لعيسى عليه السلام، مستوجب لحرمانهم من وعد الله أن يكون متبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة. فإنهم -بما جَنَوْا- أصبحوا كافرين.
فانتقل وعد الله لعيسى: (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) من النصارى إلى المحمديين، الذين هم - باتباعهم محمدًا عليه الصلاة والسلام - يعتبرون متبعين لعيسى أيضًا: فيما جاءَ به من التوحيد وأُمهات الشرائع والأحكام، التي يشترك فيها جميع المرسلين.
ولهذا، ترى المسلمين ظهروا على من عداهم: - بالحجة التي لا ترد، والبرهان الذي لا يقهر. كما تراهم ظهروا عليهم، في الجهاد والاستيلاء على الأقطار والبلاد - فقد فتحوا بلاد كسرى وقيصر. وتجاوزوها إلى الصين والهند شرقا، وإلى غرب أُوروبا وشمال إفريقيا وجنوبها. ولا تجد قارة من القارات، ولا قطر من الأقطار، إلا وفيه الكثير من المسلمين. ولا يزال أمر هذا الدين مستقيما حتى تقوم الساعة كما قال - صلى الله عليه وسلم (¬1) - وصدق الله في وعده إذ يقول: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا" (¬2).
(ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ):
المعنى: ثم إلى حُكْمِي وقضائي: مَرجِعُكم ومصيركم، أيها المختلفون في أمر عيسى عليه السلام، فأقضى بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من أَمره وأمر دينه.
ثم فصل قضاءَه فيهم فقال:
¬__________
(¬1) مأخوذ من الحديث الشريف "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" رواه الحاكم.
(¬2) النور: 55.

الصفحة 581