كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 1)

وقال الجبائي: نزلت في اليهود والنصارى. ورجحه بعض المحققين، لعموم الخطاب لهما. وإن كان السياق مع الرأي الأول.
والمعنى: قل يا محمد لأهل الكتاب: أقبلوا إلى منهج موحد في العبادة: يستوي فيه المسلمون والنصارى واليهود. تسلكه جميعا. ولا نعدل عنه إلى سواه.
وهذا المنهج هو: (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا) لا صنما ولا كوكبا ولا نارا ولا ملائكة ولا غير ذلك. (وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ): فلا يتخذ اليهود عزيرا ابنًا لله. ولا يتخذ النصارى المسيح ابنًا لله. ولا يقولوا: إنه ثالث ثلاثة، لتستووا بذلك مع المسلمين الذين لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، فإن هذا المنهج التوحيدي - كما دعا إليه القرآن - دعت إليه التوراة والإنجيل قبل تبديلهما. ولا تزال فيهما نصوص كثيرة تدعو إلى التوحيد: تركتموها وعملتم بنصوص أُخرى: اصطنعتموها، أَوْ أَسأَتم تَأويلها.
وكما دعت إلى التوحيد هذه الكتب الثلاثة - دعا إليه جميع الرسل. قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" (¬1) فهو مبدأ مشترك بين جميع الأديان: قامت عليه الأدلة العقلية، إلى جانب الأدلة النقلية.
ومن اتخاذ البشر أربابًا: أن يأخذ تابعوهم بآراء متبوعيهم في تحليل أو تحريم، دون استناد إلى نص إلهي.
أخرج الترمذي - وحسنه - من حديث عدي بن حاتم: أنه لما نزلت هذه الآية قال: ما كنا نعبدهم يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما كانوا يحللِّون لكم ويحرّمون فتأخذون بقولهم". قال: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم: "هو ذاك".
وإلى هذا المعنى، أشار قوله تعالى: "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ" (¬2).
وقد جاء في أسفار العهد القديم: نصوص عديدة .. ناطقة بتوحيد الله وتنزيهه عن الشريك (¬3).
¬__________
(¬1) الأنبياء: 25.
(¬2) التوبة: 31.
(¬3) راجع سفر الخروج فقرة (6) وفقرة (16) وفقرة (9) من سفر أشعيا.

الصفحة 588