كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 1)

(حَنِيفًا): مائلا عن الأديان الزائفة، من الحنف. وهو الميل.
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ): إن أحق الناس بالانتساب إليه، هم الذين اتبعوه في شريعته، ممن أُرسل إليهم.
(وَهَذَا النَّبِيُّ): محمد، لأن دينه التوحيد، كدين إبراهيم عليهما السلام.
(وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ): مجتبيهم ومحب لهم، فلهذا ينصرهم ويحسن جزاءَهم.
التفسير
65 - {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}:
سبب النزول:
روى عن ابن عباس أنه قال: اجتمعت نصارى نجران، وأحبار اليهود، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنازعوا عنده. فقال الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا. وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا. فأنزل الله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ ... ) الآية. ذكره ابن كثير.
والمعنى: يا أهل الكتاب لما تُجادلون في إبراهيم، فينسبه كل منكم إلى دينه، والحال أنه ما أُنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده بأَزمان بعيدة؟ فكيف يكون يهوديًا على شريعة موسى، أو نصرانيا على شريعة عيسى وهو سابق عليهما؟! كما أن كلتا الديانتين دخلهما التبديل، وزال ما بهما من العقائد السليمة والأحكام الصحيحة. فلا يشبهان ما كان عليه إبراهيم عليه السلام، من التوحيد والأحكام الشرعية الإلهية السليمة من التبديل. فكيف تقولون: إنه كان يهوديا أو نصرانيا؟ أتحاجون في ذلك؟ فهل تتعقلون؟
فإن قيل: لماذا ينكر الله على اليهود والنصارى ما قالوا؟ ويدلل على جهلهم وعدم تعقلهم، بتقدم زمان إبراهيم على كتابيهم - مع أن القرآن قال مثل ما قالوا في حقه: "وَلكِن كَانِ حَنِيفًا مُّسْلِمًا" كما سيأتي - فكيف يكون مسلما وهو سابق على الإسلام؟ ولماذا صح هذا عن إبراهيم بالنسبة إلى الإسلام، ولم يصح عنه بالنسبة إلى اليهودية أو النصرانية؟

الصفحة 590