كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 1)

(لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ): يعنون بالأُميين: العرب؛ لجهلهم وقتئذ بالكتابة والقراءة: ومعنى كلامهم: ليس علينا فيما نأخذه من أموالهم مأخذ ولا حساب.
التفسير
75 - {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَامَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَامَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}:
لا يزال الكلام موصولا في أهل الكتاب، وبيان أحوالهم. ففي هذه الآية: يبين الله أن أهل الكتاب لم يكونوا - في المعاملة المالية مع العرب - على خلق واحد.
فمنهم أُمناء يؤَدون الحق إلى من استأمنهم عليه ولو كان مالا كثيرًا، كعبد الله بن سلام، استودعه عربي قرشي ألفًا ومائتي أُوقية ذهبًا - حين كان ابن سلام على يهوديته - فلما طلبها القرشي، أداها إليه كاملة.
ومنهم خَوَنَةٌ يجحدون أمانات العرب التس استأمنوهم عليها - ولو كانت مالا قليلا - ولا يؤَدونها إلا بتكرار المواجهة والمطالبة. زاعمين: أن الله أحل لهم سلب أموال الأُميين، إذ يقولون:
(لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ): أي ليس علينا إثم في أكل أموالهم. فلا حساب ولا عقاب من الله تعالى لهم. وهم - إذ يقولون هذا - يكذبون على الله تعالى، عن عمد وعلم بأنهم كاذبون.
ومن هؤُلاء - رجل اسمه فنحاص بن عازوراءَ استودعه قرشي آخر دينارًا فجحده.
وقد استفيد من الآية: أن الخيانة في الأمانة من أخلاق هؤُلاء، ولهذا يجب أن يتنزه عنها المؤمنون: امتثالا للمنهج الكريم الذي أوجب الله علينا نهجه وسلوكه: "إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ... " (¬1).
فلا يحل لمسلم أن يخون أحدًا ولو خالفه في الدين ..
¬__________
(¬1) النساء: 58.

الصفحة 599