كتاب التفسير الوسيط - مجمع البحوث (اسم الجزء: 1)

التفسير
83 - {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}:
سبب النزول:
ذكر الواحدي في سبب النزول، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أهل الكتابين اختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما اختلفوا فيه من دين إبراهيم عليه السلام: كل فرقة زعمت أنها أولى بدينه. فقال صلى الله عليه وسلم: "كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم" فغضبوا. وقالوا: والله ما نرضى بقضائك، ولا نأخذ بدينك. فأنزل الله هذه الآية.
وعلى أي حال كان سبب النزول، فالكلام - في هذه الآية - مع أهل الكتاب الذين استمسكوا بدينهم، ونازعوا في الإسلام، وأعرضوا عنه .. فبعد أن أخبرهم الله تعالى، أنه أوصى الأنبياءَ بتأييده ونصرته، وأنذر من تولى عنه، ووبخهم الله على إعراضهم، وأنكره عليهم - قال ما معناه:
أيتولى هؤُلاء عن الإسلام إلى أديانهم المحرفة المنسوخة، فيبغون بذلك دينا غير دين الله!! كيف يطلبون غير دينه سبحانه وتعالى، وقد استسلم وخضع له من في السموات والأرض طائعين وكارهين! فمشيئة الله نافذة فيهم، وَقَدَرُهُ جارٍ عليهم، أحبوا ذلك أم كرهوا.
فالصحيح مستسلم لقدر الله، محبٌّ لما وهبه الله من صحة. والعليل منقاد لقدر الله بمرضه طوعا أو كرها .. وهكذا كل أقدار الله تجري في خلقه، فيخضعون لها، وإن جرت على غير ما يحبون ويشتهون. فما شاءَه الله كان، وما لم يشأه لم يكن. فكيف يتمرد أهل الكتاب على دين هذا الإله القوي الفعال، ويكفرون به، مع أنهم إليه يُرجعون مقهورين، فيحاسبهم على طغيانهم وكفرهم!

الصفحة 610